مسرحية "دمشق".. دراما عن الحب والموت والتواصل المرتبك
16/3/2009
وائل قدور
كان
لمسرحية "دمشق" أن عُرضت أخيراً في.. دمشق، المدينة التي أوحت للكاتب
الاسكتلندي "ديفيد غريغ" بكل تفاصيلها وقصصها وتاريخها ولحظتها الراهنة
بكتابةٍ جاءت من دمشق، لا لتتحدث عن دمشق وكيف يراها "الآخر"، بل لتقص
علينا حكاية تواصلٍ مرتبك زاد من قلق الشخصيات ذاتها وحيرتها أمام أسئلة
لا مهرب منها.
عُرضت مسرحية "دمشق" للمرة الأولى على خشبة مسرح
الترافيرس في اسكتلندا في تموز 2007، ويأتي عرضها اليوم في العاصمة
السورية كمحطة أولى ضمن جولة عربية ينظمها المجلس الثقافي البريطاني خلال
شهري آذار ونيسان 2009 في كل من سوريا ولبنان والأردن ومصر وتونس وفلسطين.
وتأتي مسرحية "دمشق" كنتيجة لمجموعة من الزيارات المتلاحقة التي أنجزها
ديفيد لمنطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، تضمنت هذه الزيارات
تنفيذ مجموعة كبيرة من ورشات العمل المختصة في الكتابة المسرحية عمل فيها
ديفيد مع مجموعة كبيرة من كتّاب الجيل الجديد في المسرح السوري من أجل
العمل تطوير نصوصهم المسرحية، وقد تم تنفيذ مجموعة من القراءات المسرحية
في كل من سوريا ولندن لمجموعة كبيرة من النصوص التي أخذت طريقها نحو
النضوج والاكتمال.
بعد أن فشل في عقد صفقة بيع سلسلة كتب لتعليم اللغة
الانكليزية، يجد بول نفسه عالقاً في دمشق بسبب تفجير في مطار بيروت إذ على
رحلته أن تحط في بيروت قبل إكمال طريقها إلى اسكتلندا.
إنها ليلة عيد
الحب، ويُفترض ببول أن يقضي هذه الليلة مع زوجته، وترد إشارة واضحة إلى أن
بول يقوم بهذه المهمة بناء على طلب صاحب المهمة الأساسي الذي لم يتمكن من
القدوم بنفسه فيرسل بول بدلاً عنه.
يقطع بول رحلة مثيرة من الاحتكاك بالمدينة، ويتعرف على ثلاثة نماذج أساسية تكون بمثابة النوافذ التي يرى من خلالها دمشق.
منى،
ذات الأصل الفلسطيني والتي قضت طفولتها في بيروت قبل أن ينتهي بها المطاف
في سوريا، تحاول أن لا تتنازل عن ما تبقى لها من هواجس التغيير والحب. ذلك
الموروث من أبويها ومن أخيها الذي كان مقاتلاً استشهد في اجتياح بيروت،
تكتشف في كل يوم أن حلمها بذلك المجتمع الجديد يتلاشى تدريجياً.
وسيم،
عميد أحد المعاهد المتخصصة بتعليم اللغة الانكليزية، الشخص الذي كان قد تم
اعتقاله لمدة ستة أشهر لأنه قال "الحقيقة"، الشخص الذي تحول عن بعض
المبادئ التي كان يلهم بها طلابه في الماضي، وهو يعتقد الآن أن فهمه للعبة
السياسية الجديدة في البلاد ستمكنه من تحقيق منفعته الشخصية. إنه الآن
يؤثر كتابة الشعر الإباحي ويحلم بجائزة من دبي وينتظر تعديلاً وزارياً
محتملاً لينجز صفقة رابحة مع وزير التعليم القادم.
زكريا، عامل
الاستقبال في أحد فنادق الثلاثة نجوم في العاصمة، كان قد تخلى عن أهله في
تلك القرية النائية وجاء إلى دمشق التي أنهت حياته ببطء شديد عندما حجمت
أحلامه وحولته إلى عامل استقبال يرى خلاصه في الخروج من البلاد أو بممارسة
********* مع الأجنبيات، وفي النهاية يطلق زكريا النار على نفسه مكتفياً
بسنواته الخمس والعشرين.
تلجأ "دمشق" إلى استخدام صعوبة التواصل اللغوي
بين الشخصيات بمثابة استعارة للتدليل على ارتباك التواصل الثقافي
والإنساني بين حضارتين لا تعرفان ما يكفي عن بعضهما البعض، وفي أحسن
الأحوال يكتفي كل طرف بما تقدمه وسائل الإعلام عن الطرف الآخر. وتتطور
أشكال العلاقات ومضامينها بين الشخصيات، علاقة الحب بين بول ومنى، الصداقة
بين بول وزكريا، الصدام بين بول ووسيم، حالة المكاشفة بين وسيم ومنى..
وضمن هذه العلاقات المتطورة تبرز جملة من الأسئلة العميقة والخطيرة...
يصل
كل طرف إلى لحظة يجد نفسه فيها لا يمتلك الإجابة على أسئلة جوهرية ومصيرية
وذات تأثير أوسع مما كان يعتقده... من جهته، يعلن بول موقفاً واضحاً من
رفض الحرب على العراق، ولكنه يصطدم في الوقت نفسه بأن هذه الحرب شنتها
حكومات منتخبة ديمقراطياً في بلاده، كل ما يقدمه هو جواب يزيد من الالتباس
"لقد صوتنا لذلك الحزب لأسباب اقتصادية!".. يبدو بول عاجزاً عن قراءة هذا
الواقع أو التحكم به، واقع يؤسس لحالة الصدام التي يعيشها بشكل حاد مع كل
من منى ووسيم.
من جهة أخرى يقف كل من وسيم ومنى حائرين تجاه عدم
امتلاكهم للأجوبة التي عليهم تقديمها للطلاب (الجيل الصاعد) حول جملة من
القضايا الملحة التي ستحدد مصيرهم..
"منى: ما الذي سنقدمه للطلاب الآن؟
وسيم: لست متأكداً
منى: إنهم يرون العالم من حولهم، وهم بحاجة توضيحات.. ما الذي سنخبرهم به؟
وسيم: لست متأكداً
منى: وعندما تقول لهم أمريكا أن حكومتهم شريرة، ماذا ؟؟عنا أن نخبرهم؟ وسيم: لست متأكداً
منى: لست متأكداً، لست متأكداً.. هذا جبن.. إنه سهل للغاية
وسيم:
سمه ما شئت منى، ولكنه ليس سهلاً.. الشك، التردد، التواضع، الظن.. إنها
السبل التي ندور بها حول الحقيقة.. ببطء، غير متأكدين من أنفسنا.."
وهكذا، تنفتح المسرحية على جملة من التساؤلات التي تهم الثقافتين بالقدرنفسه...
هل سيستمر زكريا بالاعتقاد بأن الرجال والنساء الاسكتلنديات يسبحون عراة ويتمددون على الشاطئ ويلمسون بعضهم البعض؟!
هل سنبقى مرتهنين بشكل كامل وأعمى لنظرية المؤامرة؟!
وفي المقابل، هل سنبقى في نظرهم ذلك المكان الذي يعيش في حالة حرب دائمة من دون التمييز بين إيران وغزة أو لبنان؟..
هل ستستمر تلك اللحظة التي كاد فيها بول ألا يصدق أنها تثلج في دمشق؟
والأهم
من ذلك، هل سينتظر الطرفان قدوم أحدهم لعند الآخر بالمصادفة كي يعرف جزءاً
من التاريخ والحضارة وكي يحتك جزئياً مع بعض النماذج في بهو فندق سياحي
مرتجل؟
ربما لا نستطيع أن نقرأ "دمشق" إلا بوصفها رسالة تحذيرية
للطرفين، من أن ضعف التواصل وارتباكه سيوصلنا إلى حالة من عدم الفهم
والصدام المحتمل في كل لحظة.. إنها الرسالة التي تتكثف مسرحياً في اللحظة
يقع فيها كل من وسيم وبول في ذلك الالتباس اللغوي المريع بين كلمتي "الحب"
و"الموت"!
إنه ذلك الالتقاء بين منى وبول الذي لم يُنجز لأن كلاً منهما مهزوم من الداخل، تخونه لغة التواصل وليست لغة الكلمات المنطوقة.
تحطم
هذه المسرحية أفق توقعاتنا حول مشاهدة مجرد عرض يتحدث عن دمشق، وتأخذنا
إلى أفق جديد أكثر رحابة وتعقيداً في ذات الوقت، وتقدم لنا دراما عالمية
شفافة ومؤثرة.
نقلا عن:
http://aleftoday.info/?option=content&view=article&id=3702&mid=1